عن صحيفة الأخبار اللبنانية :

يهدف أحمد حوماني إلى أن يكون كتابه مرجعاً لمن يريد سلوك إدارة عمليات الإنتاج الدرامية التلفزيونية

«آليات إنتاج المسلسلات الدرامية التلفزيونية في لبنان صعبة ومعقّدة، نظراً إلى عدم وجود بنية تحتية لهذا القطاع ولعدم اهتمام الدولة به، فلا يوجد مدن إنتاج فنية كما في مصر وسوريا، ولا دعم أو غطاء من الدولة يساعدها على النهوض والتقدّم». من هنا يبدأ أحمد حوماني كتابه «المرجع في إدارة إنتاج المسلسلات التلفزيونية ــــ الخطوات العملية من الفكرة إلى الشاشة» الصادر حديثاً عن «دار المحجة البيضاء».

يبدأ حوماني من حيث يستند الجرح الذي يصاحب هذا القطاع في لبنان الذي شهد حضوراً في العالم العربي في سبعينيات القرن الماضي. لكنّ مشهداً آخر أخذ مكانه في ما بعد. مشهد أسقطنا في كادر من الوهن المحلي، فلم تترافق إعادة إعمار لبنان في التسعينيات مع إعمار هذا القطاع، لا بل دُفنت الثقافة تحت خرائط ذلك العالم الشره للمال والمتاجرة والمحاصصة. بعدها، اتّجه قطاع الإنتاج اللبناني إلى سوريا، للنهوض واستعادة زمن كان جميلاً: «لجأت بعض الشركات إلى الاستعانة ببعض نجوم العالم العربي وخصوصاً السوري منها، على أمل أن يكون ذلك باباً للدخول إلى السوق العربي والخليجي» يضيف حوماني في ديباجة الكتاب. يقسّم حوماني كتابه إلى ستة فصول يحكي فيها تجربته في هذا العالم على أكثر من ثلاثين عاماً من داخل تلفزيون «المنار» ثم مديراً لـ «مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني» الذي كانت إنتاجاته في أول سجل الواصلين إلى الخريطة العربية، قبل أن تفرض هذه الخريطة عقوبات ثقافية على بعضها البعض. حوماني، الذي كان عضواً في لجنة تحكيم «مهرجان اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العربية» في تونس (2007) و«مهرجان الغدير للأفلام والمسلسلات» في العراق (2013)، يهدف إلى أن يكون هذا الكتاب مرجعاً لمن يريد سلوك طريق إدارة عمليات الإنتاج الدرامية التلفزيونية، خصوصاً أنّ «موضوع الإنتاج التلفزيوني لا يتعدّى مادة أو مادتين من منهاج الدراسة الجامعية».

توافر نصّ مقنع وجذّاب يفتح باب الإنتاج ويأتي بالتمويل، هو الخطوة الأولى في مشوار الإنتاج التلفزيوني برأي حوماني الذي يضيف: «المطلوب من أي موضوع أن يكون هادفاً وبالتالي إيصال رسالة معينة». لكن من أين تأتي الأفكار؟ لدى شركة الإنتاج والقنوات التلفزيونية بنك أفكار، وقد يقدّم أحد الكتّاب فكرة، يجب أن تكون مرفقة بمحدّدات أولية، ستتم الموافقة عليها أو اختيار كاتب متمكّن لتوسيع الفكرة المختارة التي سيتبعها اختيار الكاتب. ويجب أن يُراعى هنا ــ برأي مدير إنتاج مسلسل «الغالبون» (2010-2012) ــ أسلوبه وبيئته السياسية والثقافية والاجتماعية من أجل الوصول إلى أفضل مقاربة للموضوع. وسيخضع السيناريو بعدها للتدقيق بعد كتابة كل حلقة أو عند الانتهاء من كل الحلقات، على أن حوماني يفضّل أن يتم التدقيق كل ثلاث حلقات للتأكد من الحفاظ على مستوى غير ضعيف.

مرحلة اختيار فريق العمل هي الخطوة الأهم «فمدير الإنتاج سنضع بين يديه موازنة العمل كاملة، والمخرج سنضع بين يديه صورة المسلسل الفنية» ويضيف حوماني: «مدير الإنتاج ليس محاسباً وهو من سيمسك العصا من الوسط محاولاً ضبط التوازن بين ما سيُنفق على المسلسل وبين صورة المسلسل الفنية». يعرض حوماني مسؤوليات مدير الإنتاج، ثم ينتقل إلى المخرج الذي هو «الشخص المبدع في الإنتاج». وللمخرج رؤيته الخاصة التي قد تتطلّب إحداث تعديلات على النص، «والقاعدة الذهبية للإنتاج ترتكز على ثلاثة أسس: نص جيد ومخرج جيد وإنتاج جيد».

هذا الثلاثي، المنتج ومدير الإنتاج والمخرج، ستوضع على عاتقه مهمّة اختيار فريق الإخراج والإنتاج والممثلين وكذلك الفرق الفنية المكمّلة، «وهنا قد تقع مشكلة من يختار هذه الفرق، فالمخرج يريد أفضل الإمكانات، وله الكلمة النهائية في المواضيع الفنية، بينما يريد مدير الإنتاج للعمل أن يظهر بأفضل صورة ممكنة من دون الخروج عن السيطرة في الموضوع المالي وله الكلمة الفصل في ذلك». سيضع حوماني بين أيدينا دور ومسؤولية كلّ شخص ضمن هذه الفرق تفصيلياً.

يرى حوماني أنّ على مديري الفرق الأساسية تفريغ النص من وجهة نظرهم لتحديد احتياجاتهم من المسلسل كي يكون لمدير الإنتاج ملف كامل عن كل تفصيل في المسلسل، حيث يكون العبء الأكبر في هذه المرحلة على عاتقه لتحديد الميزانية التقديرية المبدئية. ويشرح حوماني بالتفصيل الجداول الأساسية لإعداد موازنة المسلسل.

عملية اختيار الممثلين هي وظيفة مدير اختيار الممثّلين الذي «يمتلك أرشيفاً خاصاً لكل ممثّل وهو على علاقة جيدة مع أغلب الممثّلين وعلى معرفة ودراية بأوضاعهم النفسية وقدراتهم». وسيحضر أيضاً إلى جلسات اختيار الممثّلين المخرج ومساعده والمخرج المنفّذ. ويرى حوماني «أن المخرج هو صاحب الرأي النهائي، وأنّ من مصلحة مدير الإنتاج اختيار بعض الوجوه الجديدة للقول بأنه يعطي فرصة لهم». وهم من خرّيجي اختصاص المسرح والتمثيل الذين يتخرّجون، فيجدون أنفسهم في مكان ضيّق بالكاد ينفّسون مواهبهم فيه. ويضيف حوماني: «هذا يحسّن من سمعة الشركة لأنه يعطي فرصة للمتخرّجين حديثاً، كما أن كلفتهم المالية ضئيلة، فيمكن لمدير الإنتاج توفير بعض المال لإنفاقه على ممثّلين آخرين يجد أنه بحاجة إلى إرضائهم». ولا يخفي حوماني أن في الأمر مخاطرة فنية وجهداً أكبر سيبذله المخرج لإعطاء توجيهات وإعادة تصوير المشاهد.

ستة فصول يحكي فيها تجربته في هذا العالم على مدى أكثر من ثلاثين عاماً :

التحضيرات الإنتاجية قبل عمليات التصوير ستشمل الاتفاقات المالية وتوقيع عقود العمل والتأمين الصحي. سيكون عقد العمل مع الممثل حسب عدد حلقات المسلسل، أو عدد أيام التصوير، أو عدد المشاهد، أو أجر مقطوع. ولكل عقد حسناته وسيئاته بحسب حوماني الذي يعتبر أن الشكل الأخير للعقد سيكون من مصلحة الجميع. يحكي بعدها عن استطلاع مواقع التصوير والتقديمات اللوجستية من سكن وإقامة ونقل من دون أن يسقط منه تفصيلٌ واحدٌ لقارئ الكتاب.

سيحضر مدير الإنتاج يومياً إلى موقع التصوير وسيجلس بجانب المخرج أثناء التصوير، فـ «حضور مدير الإنتاج يعطي دفعاً معنوياً للأفراد العمل بشكل أفضل وكلمات الثناء التي تصدر منه لها وقع كبير في نفوس العاملين، ممّا يسهّل عملية التصوير ويُذهب أي ضغينة بينهم، وكذلك سؤالهم عن أي مشاكل يعانون منها أثناء عملهم أو إقامتهم». يعود مدير الإنتاج إلى النص ويراجع جدول التصوير اليومي ويحصل على تقارير وبيانات يومية وجداول عدد الدقائق ومشاهد الممثلين المنجزة لمعالجة أي خطأ مباشرة، وليرى إذا كان يحتاج لمزيد من الدقائق أو حذف مشاهد لإعلام المخرج. ثمة إشكالات ستبرز بالتأكيد، فـ «التخطيط الجيد في مرحلة ما قبل الإنتاج لا يعني بالضرورة صفر مشاكل» يقول حوماني ويضيف «لكن مدير الإنتاج الجيد يستطيع توقّع أغلب المشاكل اليومية».

يحكي حوماني في الفصل الأخير عن مرحلة المونتاج والغرافيكس والترجمة وتصحيح الألوان، ثم كتابة شارة المسلسل وكتابة أسماء الشارة، ويؤكّد حوماني أن المونتاج اليومي المترافق مع عمليات التصوير مهم للإفادة من أي ثغرة. وستكون مهمّة كتابة شارة المسلسل غير سهلة على مدير الإنتاج مع الممثلين، «فكلّ منهم يعتبر نفسه أهمّ من الممثلين الآخرين». وأخيراً ستكون الحملة الإعلامية المواكبة لتصوير المسلسل. ويضع حوماني في كلّ مرحلة من المراحل المذكورة في الفصول الستة نماذج لجداول إيضاحية وأمثلة سيكون لها دور مهم في فهم أعمق للنص.

يترك الكاتب أحمد حوماني توصية إلى كلّ من يريد سلوك هذه الطريق. توصية حفظها من أستاذ مادة الإنتاج خلال دراسته الجامعية: بإمكان أي شخص أن يُنتج عملاً جيداً بمبلغ مالي ضخم أو أن يُنتج عملاً سيئاً بمبلغ مالي بسيط. إدارة الإنتاج تعني إنتاج أفضل عمل بأقلّ كلفة مالية ممكنة». يوجّه أحمد حوماني في كتابه هذا انتباهنا إلى أمكنة نابعة من خبرته. ينقلنا معه إلى ما وراء الكاميرا لنراقب الظلال والأمكنة والأشخاص من الداخل، ويقدّم لنا ذلك في عمل مهمّ للمكتبة العربية التي تفتقر إلى هذا النوع من الكتب المرجعية.