كتب محمود محمـد سويدان :

لفهم وقائع الحرب الجارية الآن منذ نهار الإثنين بتاريخ 10 أيار 2021 في كامل فلسطين المحتلة على خلفية قرار سلطات العدو الصهيوني طرد أهالي حي الشيخ جراح في القدس وإحلال مستوطنين صهاينة مكانهم لا بد من العودة الى النتائج التي أسفرت عنها حرب تموز عام 2006 بين المقاومة اللبنانية وكيان العدو الصهيوني والتي أسست لما يحدث اليوم من زلزلة "إسرائيل" برمتها.

في حرب تموز 2006 هددت المقاومة بقصف تل أبيب عاصمة الكيان الغاصب في حال تطاول باعتداءاته على بيروت فأدرك العدو حدوده جيداً ولا شك اليوم بأن المقاومة اللبنانية سعيدة جداً بأن قصف تل أبيب بالصواريخ لأول مرة منذ تاريخ النكبة عام 1948 م جرى على يد أبناء فلسطين أنفسهم لما لذلك من قيمة معنوية كبيرة تسجل في تاريخ النضال الفلسطيني، ليتذكر العدو الوقائع التي استجدت عليه بعد حرب تموز 2006 وهي ان المعركة التي كان يتغنى بنقلها الى "أرض العدو" قد انتقلت

الى داخل كيانه الغاصب منذ قيام المقاومة اللبنانية بقصف عكا وحيفا وطبريا وبيسان وعمق العمق الصهيوني.

بتاريخ 04 آب 2006 م وخلال احتدام المعارك على جبهة الجنوب اللبناني نقلت وسائل إعلام العدو خبر قيام سلطات الاحتلال الصهيوني بإقفال مطار بن غوريون بوجه المسافرين الصهاينة ولم يكن السبب أي تهديد صدر عن المقاومة بقصف المطار يومها ( أتى تهديد الأمين العام للمقاومة سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى أربعين شهداء الحرب في أيلول 2006 في حال كرر الصهاينة العدوان، ووضع يومها معادلة المطار بالمطار والمرفأ بالمرفأ والضاحية الجنوبية بتل أبيب) أما لماذا تم إقفال مطار بن غوريون فبسبب وصول عدد طالبي تأشيرات الدخول من السفارات الأوربية إلى مئتين وخمسين ألف مستوطن منذ بدء العدوان في 12 تموز 2006 .وذلك للحد من النزوح الى خارج الكيان الغاصب .وأما التفاصيل المتيقن منها والتي لم يذكرها إعلام العدو فهي أن كل مستوطن عاد الى سفارة البلد الذي أتى منه هو أو أبوه لاستيطان فلسطين وطالب بحق الرجوع إليه وهذا اعتراف بكذبة "أرض الميعاد" الصهيونية. ومن جديد أعيد طرح أسئلة "الوجود"( إمكانية وجود الكيان الصهيوني وسط عالم عربي إسلامي) وظن العدو أنه تجاوز هذه الأسئلة منذ ان أقام دولة الاغتصاب بتآمر الغرب والشرق على فلسطين عام 1948 م .

  وإذا كانت صواريخ المقاومة اللبنانية أعادت التذكير بأسماء مدن فلسطين عام 1948 م  العربية فماذا ستفعل صواريخ مقاومة أهل الأرض انفسهم وقد توسع شعاعها ليطال كل مغتصبات الكيان الصهيوني؟ ستعيد رسم خارطة فلسطين من جديد. وما بناه الصهاينة من أمجاد في نكبة فلسطين 1948 زلزلته حرب فلسطين 2021 .

   أمَا وقد حوّل العدو الصهيوني مسار طيرانه المدني الى مطارات قبرص وغيرها من المطارات في الخارج ولم يعد هناك من مطار آمن داخل الكيان الصهيوني حتى لهروب مستوطنيه ، أي حقيقة سيصحو عليها هذا الكيان الهش؟  الحقيقة هي أن ما قبل حرب فلسطين 2021 لن يكون كما بعدها.

   وإذا كانت تضحيات 1200 شهيد لبناني في حرب عام 2006 كبلت يد العدو الصهيوني بمعادلات حمت لبنان من اعتداءاته الموسمية  ما هي المعادلات التي سترسمها دماء الشهداء  ونجيع الدم يجود على مذبح فلسطين (خلال كتابتي لهذه الكلمات) لاستعادة ترابها المقدس ومعها مدينة القدس الشريف بمسجدها الأقصى وكنيسة القيامة؟

  وبعدما انتفض فلسطينيو الأرض المحتلة عام 1948 الذين سيكونون رافعة النهوض القومي العربي ومعهم أبناء الضفة الغربية تضامناً مع غزة ماذا عن خيبة عتاة الصهيونية بأن "الكبار يموتون والصغار سـيـنـسـون"؟

  وبعدما بدأت تنتشر دعوات الكتاب الصهاينة للمستوطنين لاختيار وجهة الرحيل عن أرض فلسطين نحو أوروبا أو أميركا وقبل اشتعال جبهة لبنان مع المقاومة اللبنانية التي تمتلك صواريخها قدرةً هائلة على التدمير مقارنةً بصواريخ المقاومة  الفلسطينية ( ليس من باب المفاضلة) هل اقتنع الصهاينة بأن نظرية "بيت العنكبوت" مصداق كيانهم الغاصب رغم أنوفهم؟ هل وصلوا في قرارة أنفسهم الى القناعة بصدقية ما نصحهم به أبو الصهيونية تيودور هرتزل عام 1897 م بعدما زار فلسطين مستطلعاً فقال: " أقترح عليكم بناء الدولة في جنوب أفريقيا أو أي مكان آخر في العالم لأن في فلسطين شعباً يسكنها ويعتبر أن هذه الأرض أرض آبائه وأجداده منذ آلاف السنين"( ولكن الحركة الصهيونية أصرت على اختيار فلسطين مكاناً للدولة في مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897م وكلفت هرتزل نفسه بالسعي مع الدول المعنية آنذاك لتحقيق أهداف المؤتمر)

  لا نحلّق بالحماسة فوق الريح ولكن بشائر نصر  بدأت تطل وخارطة فلسطين الجديدة  ترتسم الآن بدماء الشهداء والمضحين وأصوات حناجر المتظاهرين في عواصم العرب والعالم ولو سوّى العدو كل مباني غزة بالأرض وحوّلها كضاحية بيروت الجنوبية عام 2006 الى برلين الحرب العالمية الثانية.  لقد صححت حرب فلسطين 2021 مسار "أوسلو" الخاطىء الذي قبل بتأخير موضوع القدس والحدود واللاجئين الى مراحل التفاوض النهائية حتى انتشر الاستيطان الصهيوني في الضفة والقدس كالسرطان الخبيث .

وإذا اراد العدو من حربه على لبنان عام 2006 "كي الوعي" لدى اللبنانيين (إحداث الصدمة جراء التدمير الوحشي) فاكتوى وعي مستوطنيه عندما طلب رئيس بلدية حيفا بعد توقف الحرب في 14 آب 2006 من المستوطنين أن يرموا بقايا صواريخ وقنابل المقاومة في البحر لئلا يصابوا بالصدمات النفسية، كم من أطنان صواريخ غزة سيجمع هؤلاء الغاصبون من كل فلسطين التاريخية ليرموا بها في البحر تجنباً للصدمات النفسية؟ بدل أن يتكلفوا عناء هذا العمل الشاق فليرموا هم بأنفسهم  في البحر بانتظار البواخر ذاتها التي أقلتهم الى فلسطين تحت راية الاستعمار القديم لتعيدهم من حيث أتوا من أربع جهات الأرض.

  انطلق قطار رحلة نهاية هذا الكيان الغاصب وكانت أولى محطاته حرب تموز عام 2006 م التي دقت المسمار الأول في نعش "إسرائيل" وها هو يعبر محطة حرب فلسطين 2021 التي دقت المسمار الثاني في نعش الدولة التي تحترق الآن وفي ذكرى مرور 73 عاماً على نكبة عام 1948. وعلى أمل أن لا تخذل السياسة مجدداً ما أنجزه السلاح كما جرى في حرب عام 1973 تحت ذريعة أن" 99 بالمئة من أوراق الحل بيد أميركا " التي لم ينفع التوسل لها بإعادة إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 1967 منذ مفاوضات مدريد بين العرب والصهاينة عام 1991 م حتى اليوم. وستتوالى محطات قطار رحلة نهاية إسرائيل. وما ضاع حقٌّ وراءه مطالب.  سيدي إمام الوطن والمقاومة سماحة الإمام السيد موسى الصدر ها هو شرف القدس وكل فلسطين بدأ يتحرر على أيدي المؤمنين الشرفاء فليبحث المطبّعون في أي زاوية من زوايا صفحات التاريخ وتحت أي عنوان سـيُـكتبون.

محمود محمـد سويدان / 15-05-2021