ـــ قال كلمته ورحل ــ 

إلى روح المرحوم الراحل عدنان نعمة سويدان

كتب محمود محمـد سويدان : 

       تعجز الكلمات عن وصف رحلة وداعك التي اثكلت أهالي بلدتك ياطر وقرى الجوار ممن أحبوك فاحتشدوا في موكب وداعٍ مهيب ، اثكلنا رحيلك العاجل دون استئذان، افجعت القلوب وأدمعت العيون، وما عرفناك إلا زارعاً البسمة الدائمة على الشفاه كلما عصفت بنا رياح الأزمات ومرت علينا المحن .

  أيها المقاوم بحق يوم حاولوا  تعميم ثقافة الهزيمة في محاكاة للمقولة المشؤومة : " قوة لبنان في ضعفه " خصوصاً بعد اجتياح العدو الصهيوني للبنان عام 1982 م فظن البعض أن المقاومة " بدعة " بل إرهابٌ وأن الجهاد " ضلالة " والاستشهاد  " تهلكة " والخنوع " رزانة "  والجُـبْـن  " حكمة " . كان الاحتلال الصهيوني يدنس ترابنا الوطني ويهدم البيوت ويسفك الدماء،

  استلهمتَ قول إمام وطنك

والمقاومة السيد موسى الصدر : *" قاتلوا إسرائيل بأسنانكم وأظافركم " . يكفي ياطر فخراً بك أنك أحد أفراد  تلك الثلة المقاوِمة التي رجمت مستوطنات العدو الصهيوني ومن خراج البلدة  بصواريخ الكاتيوشا عام 1986 م لردع قصفه للأبرياء وقد اثخن العدو المجرم ياطر بالجراح حتى سميت بـ *" أم الشهداء"* وكانت يومها لا تزال تحت الاحتلال.  فحوّلتَ ببطولتك عنوان احتلاله " سلامة الجليل " الى "جحيم الجليل" وأسس عملكم المقاوم لاحقاً لما سمي بـ *" تفاهم نيسان 1996"*  الذي حمى المدنيين الأبرياء من قصف العدو الهمجي لقرانا  وصارت قوة لبنان في مقاومته، 

 عبَرت الأودية وأنت تحمل الصواريخ على كتفيك ، تأبطتَ البندقية بين ذراعيك ، نجوت من كمائن كثيرة نصبها العدو ، سقط بين يديك شهداء تصديت لمروحيات الكوبرا الصهيونية بقذائف الـ آر بي جي مانعاً إياها من الاقتراب من ساحات الاشتباك .

 سجلٌّ حافل من نضالٍ وكفاح ، وجهادٍ ما استراح . استعجلتَ الرحيل بدون وداع *وإن العين لتدمع وإن القلب ليخشع ولا نقول الا ما يرضي الله تعالى : (( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ))  ، وفي لقائي ما قبل الأخير معك وقبل وداعِك الأخير بأيام لن أنسى كلمتك التي قلتها بغصة وحرقة ورحلت : *" أوَبعد كل هذا التاريخ الحافل من النضال حتى تم دحر المحتل وبعدما دفنّا ألوف الشهداء تحت التراب وبعدما صارت هزيمة إسرائيل ممكنة تطالعنا نشرات الأخبار بأن رئيس حكومة الكيان الغاصب بنيامين نتنياهو حلّق بطائرة " العال " فوق الكعبة الشريفة وأقيمت له مراسم الاستقبال فوق صحاري العرب بدل الاستفادة من ورقة القوة في هذه الأمة لمعركة التحرير " ؟ ؟ ؟

 

قال عدنان سويدان كلمته الأخيرة ورحل عن دنيانا بعدها بأيام إثر إصابته بذبحة قلبية ، فاكتب ايها التاريخ أنه في 28 أيلول عام 1970 مات في مصرَ زعيم قومي عربي هو الرئيس جمال عبد الناصر حين سمع بأن سلاح الجو الملكي الأردني أغار على مواقع الثورة الفلسطينية في الأردن فتوقف قلبه عن الخفقان ومات حزيناً،

وفي 27 أيلول 2020 مات مواطن عربي من لبنان إسمه عدنان نعمة سويدان وهو يحكي بألم وحسرة عن رحلة " العال " الإسرائيلية التي طافت فوق كعبة العرب والمسلمين . وما بين الزمانين بحر من التيه والضياع والعجز العربي وانعدام وزن أمة كانت خير الأمم مزقها ملوك طوائف العصر كما فعل ملوك طوائف الزمن الغابر بالأندلس وهجروا أهلها منها بعد 800 عام من الحكم العربي الإسلامي لها .

ويا أيلول المليء بمناسباتنا الحزينة بللْتَ صفحات عزّنا بالدموع وقد حللتَ هذا العام وطرَفُـك بالدمعِ بدل الشتاء مبلول وورقُك الأصفر أسقطته حُزناً شجرة الملول على مدخل بيت هذا المناضل الفقيد . وكيف يسمح لنا القلب والروح بعد اليوم على الجلوس تحتها وقد فارق الدارَ أنيسُها ؟ تلك الشجرة التي طالما اجتمعنا تحتها وظـلّـلـتْ أغصانها جلسات أنـسٍ وفرحٍ وحزنٍ وحنين لحكايا سنين عن نضالات جيلٍ اختصرتَه أيها الفقيد المناضل في شخصيتك سيرةَ عطاءٍ وفداء أيها الراحل الكبير. فهنيئاً لك فرح اللقاء برعيل أولئك الشهداء الذين شاركوك النضال  .)

05-10-2020