بقلم الدكتور محمد مخزوم - بيروت 1979
يعتبر تاريخ منطقة جبل عامل منذ القرن العاشر الى عهدنا الحاضر فترة عنيدة في النضال ضد كل الحركات الاستيطان التي باشرها الاوروبيون تارة في الحركة الصليبية المسلحة وتارة اخرى في حركة التبشير المسالمة في ظاهرها، بعد ان تحطمت قوتهم العسكرية. كما برزت حركة النضال هذه اشد فعالية في مقاومة حركة التتريك التي لبست ثوب الدين واتخذت شعار "اخوة العقيدة الدينية" سلاحاً لها في كتب الشعور القومي. ثم ضد الاستعمار بجميع اشكاله سواء المباشر او غير المباشر طيلة العصور الحديثة. وان ما نشهده اليوم في منطقة جبل عامل لهو أعظم شاهد على تراث هذه المنطقة النضالي.
وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي ظهرت عن منطقة جبل عامل حتى الان بين ثنايا مصادر التاريخ المختلفة في العهدين الصليبي والمملوكي، الا انه من الضروري جداً، اسوة ببقية المناطق اللبنانية، أخصها جبل لبنان، ان يكتب تاريخ هذه المنطقة بالشروط الموضوعية التي تنطبق على ركائز البحث التاريخي الحديث.
ولما كنا كثيراً ما نطالع في كتب التاريخ –التي سجلت احداث هذه المنطقة بالذات- تعبيران مثل: ليس من المؤكد، وعلى الارجح، ومن المحتمل، والله أعلم... فاننا سنحاول وبقدر ما تسمح لنا المراجع المتوفرة أن نتحاشى –بقدر الامكان في صناعة تاريخ هذه المنطقة- الروايات والاخبار التي لا تتفق ومنهج البحث التاريخي.
ان عملية التطور التاريخي التي شهدتها هذه المنطقة بالانتقال من الحكم الصليبي الى الحكم المماليكي تمثل مرحلتين متمايزتين تمام التمايز: من حضارة اقطاعية خالصة ذات اقتصاد عيني الى حضارة اقطاعية (التزامية) يخضع حق استغلال الارض فيها للاقطاعي، مع بعض الاستثناءات، لتأدية الخدمة العسكرية.
1- الاطار التاريخي
دخلت جيوش الصليبية لبنان من شماله، اواخر القرن الحادي عشر للميلاد، وسارت على طول الساحل اللبناني حتى مدينة صيدا، (بوابة جبل عامل) التي امتنع اهلها عن التفاوض معهم على الرغم من تهديد الصليبيين باتلاف الزرع وتخريب البساتين. ولما سقطت القدس اصبح لا بد أمام الصليبيين من السيطرة على الساحل اللبناني، لضمان وصول النجدات من أوروبا. فهاجموا مدنه وقراه حيث سقطت بأيديهم على التوالي كل من جبيل، طرابلس ثم بيروت.
أما منطقة جبل عامل فقد امتنعت على الصليبيين وذلك لوصول النجدات اليها من البر بواسطة السلاجقة، ومن البحر بواسطة الفاطميين. لذا صمم الصليبيون على فتحها للضرورات التالية:
اولاً : انها تشكل الظهير العسكري لمدينة صور التي تصلها الامدادات من دمشق.
ثانياً : انها غنية بالموارد الزراعية التي تفتقر اليها مملكة بيت المقدس.
ثالثاً : انها معبر للقوافل التجارية حيث تربط منطقة دمشق بميناء صور.
رابعاً : انها تتحكم عسكرياً في الممرات الشمالية لامارة الجليل التي تعتبر من الامارات الصليبية المهمة.
وهكذا بدأ التغلغل العسكري الصليبي ينتشر في منطقة جبل عامل تدريجياً على اثر استقرار الصليبيين في بيت المقدس ووصول النجدات المتتالية اليهم عن طريق البحر. فأقاموا القلاع والحصون الكثيرة التي كان من اشهرها قلعة تبنين (Tyron) وقلعة الشقيف أرنون، وقلعة الاسكندرونة، وحصن تل المعشوق لتشديد الحصار على مدينة صور آخر ما ملكه الصليبيون على الساحل اللبناني.
هذه الاحداث تضعنا امام الحقيقة التالية وهي : ان تمسك الصليبيين بفكرة التوسع باتجاه منطقة جبل عامل، جعل حكام دمشق والقاهرة من السلاجقة والفاطميين والمماليك فيما بعد بحكم ما بين هذه المنطقة وغيرها من الروابط القومية والعقدية، يحاولون على مدى قرنين من الزمن استعادتها بقدر ما كانوا يجاهدون في الوقت نفسه لاستعادة بقية الاراضي العربية التي أقام عليها الصليبيون مملكتهم واماراتهم.
استمر الصليبيون يسيطرون على منطقة جبل عامل بواسطة جاليات عسكرية اقاموها في المدن والقلاع والحصون المنتشرة في جميع انحاء المنطقة. ولم تكن مناوشات السلاجقة للصليبيين لتعيق هذا الاحتلال حتى عهد نورالدين –الذي رفع من دمشق شعار المقاومة- الذي كان يعتبر من أهم المرتكزات الاساسية لاضفاء الشرعية على اية سلطة تستولي على الحكم في المناطق الاسلامية.
وأدت حروب نورالدين للصليبيين، بالاضافة الى ما كانت تحمله اماراتهم بين طياتها من عوامل التفسخ والانهيار، الى انهاك قواهم العسكرية، واعاقة توغلهم التجاري في المناطق الاسلامية، الامر الذي جعل المدن التجارية –صاحبة الفضل الاول في السيطرة- تحجم عن تقديم المساعدات لهم.
وامام التكتل الاسلامي العربي الذي فرضه صلاح الدين، بدأ التراجع العسكري الصليبي في المنطقة يأخذ الطابع الجدي. فكانت "معركة حطين" أهم فاصل في تاريخ المنطقة، اذ سيطر صلاح الدين على اثرها على قلعة "تبنين" وصيدا والمناطق المحيطة بصور. كما هزم الصليبيين في معركة "تل القاضي" في مرجعيون.
وبينما تذكر بعض المصادر المعاصرة ومنها "ابن القلانسي" ان نورالدين هزم الصليبيين ومعهم بعض المسلمين في جبل عامل قرب بانياس، نرى العامليين يساندون صلاح الدين في حروبه. وتفسير ذلك انه ليس من المستغرب ان يضم جيش الصليبيين بعض المسلمين، لان النظام الاقطاعي الذي كان سائداً كان يعتمد على تأدية خدمة عسكرية سنوية يؤديها التابع للمتبوع بحسب التشريعات والاعراف الاقطاعية.
ومع ان القوة الصليبية استرجعت بعض ما فقدته من مناطق في عهد خلفاء صلاح الدين، فان بروز القوة العسكرية المملوكية منذ بداية النصف الثاني للقرن الثالث عشر، كانت عاملاً حاسماً في اجلاء الصليبيين عن المنطقة برمتها. اذ لم تكد سنة 1291 تنتهي حتى اصبح لبنان –بما فيه منطقة جبل عامل- تحت الحكم المملوكي الذي استمر حتى سنة 1516 ميلادية عندما حل العثمانيون محل المماليك.
والعامليون خضعوا خلال الفترة –بين القرن العاشر والسادس عشر للميلاد- لعدة نظم مختلفة، نحدد هويتها العامة على الشكل التالي:
2- النظم الاجتماعية والسياسية
1- في العهدين السلجوقي والايوبي
امتدت دولة السلاجقة بشكل بات معه من المستحيل السيطرة على اطرافها. فوزعت الاراضي بين الامراء والقادة العسكريين بشكل اقطاعات لهم، فيها حق الاستغلال والحكم والولاية. ومنعاً من تحلل هؤلاء من السلطة المركزية، جعل "نظام الملك" اقطاع الشخص الواحد في عدة امكنة متباعدة، كما حصر توليته بحق الاستغلال دون التوريث، وقرر عليهم التزامات عسكرية ومالية معينة. وقد استمر النظام الاقطاعي في عهد الدولة الايوبية على الشكل الذي قرره السلاجقة من قبل. اذ كان مورد الدولة الاساسي هو الاقطاع الحربي، وقد ادخل صلاح الدين على هذا النظام ما يسمى بالبدل، اي ان يدفع الفلاح –اذا اراد ذلك- كميات من الشعير او الفول بدلاً من القمح مثلاً.
2- العهد الصليبي :
لقد حمل الاستعمار الفرنجي معه الى منطقة الشرق نظمه الاقطاعية التي كانت سائدة في اوروبا. واتخذت منطقة جبل عامل من بين جميع المناطق اللبنانية في هذا العهد طابعاً خاصاً بها. اذ كانت سيطرة الصليبيين ولمرحلة طويلة على المنطقة كلها، كما كانت تعتبر من المناطق التي يجب على الافرنج، حفاظاً على بقائهم، التمسك بها لكونها تمد مملكة بيت المقدس بالغلال وتشكل مع امارة الجليل سوراً حديدياً لها.
ولما كان امتلاك الصليبيين للارض قد نشأ عنه بالضرورة امتلاكهم للسلطة، فقد نشأ امتزاج بين الارض والسلطان في منطقة جبل عامل، جعل المجتمع يدين بدورته الاقتصادية للنظام الاقطاعي. مما أدى الى خلق تراتبية اجتماعية يقف فيها السيد الاقطاعي على رأس الهرم، يليه اسياد المناطق الصغيرة التابعة له، ثم الطبقة الواسعة من الناس المرتبطة بمالكي الارض بحكم علاقاتهم الاقتصادية التي رسختها العلاقات الحقوقية الموضوعة من قبل الاقطاعيين انفسهم. وهكذا اصبح بحكم هذا النظام سكان جبل عامل أقناناً عند هؤلاء يقدمون الولاء والاخلاص والتموين أيام السلم والحرب، وهو ما يفسر وقوف بعضهم الى جانب الصليبيين في بعض المعارك.
والاقنان شكلوا في السلم الاقطاعي أدنى الطبقات الاجتماعية في المجتمع العاملي. فالقن فلاح قروي يعيش على قطعة من الارض يقدمها له الاقطاعي، على ان تتناسب مساحتها مع مقدار أعبائه الاقطاعية، وهو لا يتمتع بأي حق مدني على سيده، وان كان القانون من الناحية النظرية يعتبره حراً. فمصيره مرتبط بتعسف الاقطاعي واستبداديته، لكون العلاقة بينهما مزدوجة من جهة وسيدية من جهة ثانية. وقد تمير قن جبل عامل –نظراً لعدم رسوخ الاحتلال بالقدر الذي يسمح للاقطاعي بمراقبة أقنانه مراقبة فعلية- بتكوين استثمارات لنفسه وبناء أسرة خاصة به. كما كان القن يمتلك ادوات العمل الزراعي الى جانب الحيوانات والطيور والبذار والعلف والمسكن والابنية الزراعية، ووسائل النقل، والادوات المنزلية.
والفلاح العاملي ارتبط بأرضه ارتباطاً وثيقاً فلم يكن يسمح له بترك ارضه الا نادراً، لئلا تتعرض المناطق التي يسيطر عليها الصليبيون الى خلل سكاني، في الوقت الذي كان يمتهن فيه الصليبيون الفروسية والحرب، فكان من الممكن مصادرة أرض الفلاح وطرده منها. الا انه كان مصدر الاستثمار الاقطاعي الوحيد في المجتمع الحربي الى جانب التجارة، لذلك كان يتم الصاقه بالارض بدلاً من تجريده منها.
اما عن استثمار الصليبيين الاسياد للفلاحين، وان اختلف من مكان الى آخر، فقد اتخذ عدة اشكال كان من أهمها:
اعمال السخرة : التي يقوم بها الفلاحون بالعمل في الارض الزراعية للسيد. (الحراثة والبذر وجمع المحاصيل) بالاضافة الى قيامهم بأعمال حرفية مختلفة كشق الطرق وحفر الخنادق واصلاح الجسور واقامة السدود وتشييد القصور والحصون. وكان الفلاح مرغماً ايضاً على دفع مقررات تشمل المكوس على التجار، والضرائب المختلفة، كضريبة الرأس (رمزاً للعبودية) وضريبة العشر على الانتاج. وهنا يذكر "ابن جبير" ان الصليبيين كانوا يأخذون من سكان جبل عامل الذين يقطنون بين "تبنين" و"عكا" نصف الغلة عند اوان ضمها، وجزية على كل رأس ديناراً وخمسة قراريط ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة ايضاً.
اما الاحتكارات فقد كانت متنوعة ايضاً وتشمل: (الطاحونة والمعصرة والفرن) بالاضافة الى ما كان يفرض على الفلاح من "الحلوان" عند انتقال حق حيازة الارض من فرد الى آخر.
وللدلالة على مدى استغلال الصليبيين للمناطق التي سيطروا عليها ما ذكره "فوشيه شارتر" (Foucher de charter) احد مؤرخي الحروب الصليبية المعاصرين لها, فقال: ما معناه "ان الغربيين قد تحولوا الى سكان شرقيين.. فالفرنسيون والايطاليون ليسوا الان سوى مواطنين فلسطينيين وان ابن مدينة الريمس او مدينة شارتر قد تحول الى صوري او انطاكي. لقد نسي الفرنجة اصلهم، بحيث اصبح الواحد منهم يمتلك بيتاً وعائلة ويتكلم لغة البلاد. ومن كان هناك فقيراً اصبح هنا يتمتع ببحبوحة العيش، ومن لم يكن يملك في اوروبا حتى ضيعة صغيرة اصبح هنا سيداً لمدينة بأكملها. فلماذا نرجع اذن الى الغرب طالما الشرق يحقق رغباتنا؟".
3- العصر المماليكي
استفاد المماليك من تجربة الايوبيين والصليبيين فربطوا اقطاع الارض بالتنظيم العسكري واعتبروا الارض ملكاً للسلطان وجنوده. وكانت اهمية الاقطاعية توازي أهمية الرتب العسكرية. بل ان أهمية الفرد في العهد المملوكي كانت تختلف بحسب الطبقة التي ينتمي اليها، كما ان العلاقة بين الطبقات نفسها كانت تختلف باختلاف وضعها في السلم الاقطاعي. وعلى هذا الاساس شكلت منطقة جبل عامل جزءاً من هذا التنظيم الذي فصله "القلقشندي" من حيث الالقاب والملابس وانواع الوظائف. أما "المقريزي" فقد جعل المجتمع المملوكي سبعة أقسام:
- أهل الدولة
- أهل اليسار من التجار
- أولو النعمة من ذوي الرفاهية
- الباعة
- أهل الفلاحة والحراثة وسكان القرى والريف.
- الفقراء (من الفقهاء وطلاب العلم والجنود والاجراء وأصحاب المهن)
- ذوو الحاجة
بعد جلاء الصليبيين شعرت العائلات الارستقراطية –ومنها شيعة كسروان، مالكة الارض، امام التقسيم الجديد للارض والسلطة- ان مصالحها مهددة ببروز قوة المماليك الذي ارادوا مركزة السلطة وحصرها بين ايديهم، فاعتبروا ان لبنان وسورية وفلسطين قسم لا يتجزأ من دولتهم، وامام تمسك الكسروانيين بسلطتهم، واستغلال التنوخيين لهذا النزاع ليوسعوا اقطاعهم على حساب الشيعة، خرج احد قواد المماليك من دمشق بجيش عظيم وضرب ضياعهم واقطع كرومهم ومزقهم بعدما قاتلهم احد عشر يوماً وملك الجبل عنوة، ووضع فيهم السيف، وأسر ستمائة رجل، وغنم العسكر منهم مالاً عظيماً، فهاجر الشيعة على اثرها الى مناطق جنوب لبنان وخاصة منطقة "جزين" منه. وازاء فشل جميع الحركات الدينية التي قامت في منطقة جبل عامل ضد المماليك استغل "بنو بشارة" موالاتهم للماليك الذين اقطعوهم منطقة جبل عامل. ولم ينته دور هذه العائلة الاقطاعية حتى اوائل القرن السادس عشر، عندما قضي عليها امراء البقاع من "آل الحنش".
4- العلاقات الاجتماعية والثقافية في جبل عامل في العهد الصليبي
تعتبر دعوة "بابوية" القرون الوسطى لتخليص بيت المقدس من المسلمين في جوهرها دعوة دينية. فالعامة تقبلتها اثر االروايات المتواترة عن اضطهاد المسيحيين الحجاج وتخريب كنيسة القيامة. ومع ذلك طغت النوازع الدينوية في هذه الحروب على النوازع الدينية، حيث ان غالبية الصليبيين –من ملوك وقادة وبتشجيع من الجمهوريات الايطالية التجارية- اشتركوا في هذا الغزو، بغية تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في الشرق العربي.
ولهذا، فالحملة الصليبية الرابعة بدل ان تتجه نحو القدس لتخليصها من الايوبيين جنحت نحو القسطنطينية واستولت عليها، ونهب الصليبيون كنائسها وأديرتها.
وفي الواقع، ان ما قيل عن اضطهاد السلاجقة للمسيحيين لا يدخل ضمن خطة عامة ومرسومة بقدر ما يشير الى بعض الحوادث الفردية التي تعرض فيها الحجاج المسيحيون لاعمال السلب والنهب. وبطريرك القدس في هذه الاونة يذكر في احدى رسائله "ان المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى او تعنت".
فعلى الرغم من الصبغة الدينية التي اتسمت بها هذه الحرب، وعلى الرغم من انحياز بعض نصارى لبنان الى جانب الصليبيين، فالتاريخ الاجتماعي يرفض اعتبارها انقساماً دينياً او حرباً طائفية. لان السبب الحقيقي لوقوف هؤلاء النصارى الى جانب الصليبيين يرجع في اساسه الى عاملين أثنين:
اولاً : ان نمط الانتاج الاقتصادي في ذلك الوقت كان يتخذ شكلاً اقطاعياً. ولهذا كان من مصلحة اسياد لبنان من المسيحيين، بما لكلمة السيد من مدلول اقطاعي، ان يجبروا اتباعهم على الوقوف الى جانب الفاتحين الجدد الذين عملوا على تغريرهم طمعاً في كسب اراض جديدة يضمونها الى اقطاعاتهم على حساب ولاة حكام الدولتين الفاطمية والسلجوقية.
ثانياً : ان جوهر العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في مجتمعات العصور الوسطى هي الرابطة الدينية، لان المعنى الحقيقي للقومية لم يكن واضحاً في هذا الوقت بقدر وضوح الولاء الديني. ولهذا اطلق على هذه العصور تسمية "عصور الايمان الديني".
ولكن ما ان اصبح الصليبيون اسياد البلاد حتى اخذوا بمعاملة المسيحيين والمسلميين على السواء وكأنهم اتباع (نصف عبيد) مما أدى الى قيامهم بعدة انتفاضات (باعتراف مؤرخ الصليبيين وليم الصوري) بمساعدة المسلمين، مسجلين بذلك صفحة ناصعة في تاريخ العلاقات الاجتماعية بين اللبنانيين جميعهم.
ولكن سرعان ما كانت العلاقات تستقر بين الطرفين نتيجة لضرورة التعامل التجاري والحوافز الاقتصادية التي كانت تربطهما. وابن جبير الذي زار لبنان في هذه الفترة يخبرنا بذلك: "من العجب ان النصارى المجاورين لجبل عامل اذا رأوا به بعض المنقطعين من المسلمين جلبوا لهم القوت واحسنوا اليهم، ويقولون هؤلاء ممن انقطع الى الله عز وجل فتجب مشاركتهم".
اما في وصفه لحالة سكان جبل عامل في تلك الفترة فيذكر قائلاً: "رحلنا من تبنين، دمرها الله، (اشارة الى انها بأيدي الافرنج) وطريقنا كله على ضياع متصلة وعمائر منتظمة، سكانها كلهم مسلمون، وهم من الافرنج على حالة ترفيه، نعوذ بالله من الفتنة". ولا أدل على الحياة الاجتماعية المشتركة التي عاشها المسلمون والنصارى في مدينة صور من وصف ابن جبير ايضاً لعرس أفرنجي يشترك فيه كلا الطرفين:
"خرجت (العروس) تتهادى بين رجلين يمسكانها من يمين وشمال.. وهي في أبهى زي، وآخر لباس، تسحب أذيال الحرير المذهب سحباً على الهيئة المعهودة من لباسهم، وعلى رأسها وهي رافلة في حليها وحللها تمشي فترا في فتر مشي الحمامة او سير الغمامة، نعوذ بالله من فتنة المناظر، والمسلمون وسائر النصارى من النظار قد عادوا في طريقهم يتطلعون فيهم ولا ينكرون عليهم ذلك".
ولما كان المجتع الصليبي في منطقة جبل عامل يتشكل باسره من العساكر والتجار، فلم يكن في الواقع صالحاً لان يخلق او يقيم مستوى فكرياً رفيعاً. لهذا كان أثر الصليبيين الحضاري في هذه المنطقة ضعيفاً جداً اقتصر على العلاقات الاقتصادية وعلى ما يترتب بين السيد وفلاحيه من علاقات محدودة ضمن اطار ما تمليه المصلحة الحربية. و"اسامة بن منقذ" صاحب "كتاب الاعتبار" الذي كان يعايش الافرنج في تلك الحقبة يروي لنا في باب طبائعهم واخلاقهم قائلاً: "سبحان الخالق الباريء اذا خبر الانسان امور الافرنج سبح الله تعالى وقدسه ورأى بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير، كما في البهائم فضيلة القوة". كما يذكر لنا ايضاً عن عجائب طبعهم ومحاكماتهم وغرائب عاداتهم وتقاليدهم ما يتنافى مع عادات وتقاليد العرب. وتحت عنوان ليس للافرنج غيرة جنسية يذكر: "وليس عندهم شيء من النخوة والغيرة، يكون الرجل منهم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل آخر يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث، فاذا طولت عليه خلاها مع المتحدث ومضى."
ومع ذلك فان الصليبيين الذين تبلدوا ومضى عليهم وقت طويل قد تاثروا بعادات وتقاليد وثقافة المناطق التي حلوا بها في اللباس والمآكل ومجالس الشرب واللهو واطلاق اللحى وحجب النساء وتعلم اللغة. فكان "همفري الرابع" سيد تبنين على دراسة تامة باللغة العربية، كما كان رينالد (Raynald) سيد صيدا مهتم بالعلم الاسلامي، اما وليم الصوري، الذي يعتبر من أعظم مؤرخي العصور الوسطى وقد ولد في لبنان فانه كان يتقن اللغة العربية الفصحى.
اما العامليون فانهم –رفضوا كغيرهم من العرب- الاخذ بعادات وتقاليد الافرنج، لكونها تتنافى وروح الاسلام بمفهومهم، فمن يتقن لغة القرآن يرى حطة على نفسه ان يتعلم لغة (الكفار).
اما عن التمازج العرقي بين الوطنيين والافرنج، فقد حدث خلال الحروب الصليبية –نتيجة للغزو والسبي وبيع الرقيق- ظهور جيل هجين اطلق عليه اسم (Poulain)تحول فيما بعد الى مذهب المنطقة التي وجد فيها. ففي الشمال اعتنقوا مذهب الموارنة، وفي بلاد العلوية اعتنقوا مذهب النصيرية، وفي الجنوب اعتنقوا مذهب الشيعة، وما زالت سحنتهم الاوروبية ظاهرة الى اليوم في بعض مناطقه. كما ان بعض هذه العائلات ما زالت تحتفظ بأسماء لاتينية أمثال عائلة الصليبي، وبروديل (Baldwin) وفرنجية والدويهي (De Douhai) ودوريان حمله وطربيه (Torby) وغيرها.
5- الحياة الاقتصادية
كان الطابع العام الغالب على الحياة الاقتصادية في منطقة جبل عامل قبل مجيء الصليبيين، هو الطابع الزراعي الرعوي، الا ان ازدهار عملية التبادل التجاري في عهد الصليبيين والمماليك فيما بعد جعل مدن هذه المنطقة تجنح الى التخصص في بعض الصناعات. فاشتهرت صور بصناعة السكر والزجاج والنسيج. والادريسي الرحالة عام 1154 يذكرها في رحلته قائلاً:
"وفي صور يصنع أفخر الزجاج والخزف، ويصنعون ايضاً نوعاً من القماش الابيض لا يعادله قماش آخر من حيث النوع وجودة الصنع ويصدرونه الى جميع البلدان، ولا يصنع قماش يضاهيه من حيث جودته في اي من الاقطار الاخرى". كما ان المصادر الاوروبية اجمعت على ان مدن جبل عامل عرفت ايام الصليبيين صناعة الخزف والزجاج والحلي والنسيج على انواعه وخاصة مدينة صور التي ازدهرت فيها صناعة الزجاج والخزف. حتى انه وجد فيها اكبر مضرب للعملة حيث كانت النقود تصك كالدينار الفاطمي، يحمل شعاراً نصرانياً عرف عند تجار البندقية "بالدينار الصوري".
والحروب الصليبية كانت من العوامل المهمة التي ساعدت على تنشيط التجارة في العصور الوسطى. ومثلت المدن الايطالية الناشطة تجارياً، المحتكر الوحيد للتجارة بين الشرق والغرب. فلقاء نقل الصليبيين والاشتراك الفعلي في الحروب البحرية ضد المسلمين، امتلكت هذه الجمهوريات المدن والمرافىء العديدة في الحوض الشرقي للمتوسط. فكان لكل جمهورية تجارية في كل مدينة يسيطر عليها الصليبيون حي خاص بها، يحتوي على سوق تجاري وكنيسة وقلعة وقنصلية ومأوى للتجار. وكان من بين هذه الموانىء ميناء صور الذي يعتبر من الموانيء المهمة التي تصل اليه بضائع الشرق من الهند والهند الصينية والصين، لتشحن بعدها نحو أوروبا. كما كان لجغرافية المنطقة أثر هام في ازدهار التجارة فيها. فكان يشقها طرق عديدة بمثابة شرايين حيوية لها. ومن هذه الطرق التجارية التي كانت معروفة والتي اكسبت المنطقة اتصالا حضارياً غير منقطع مع شعوب المنطقة العربية.
- طريق من صفد تمر عبر ميس وهونين. ومن هونين تهبط الطريق لتلاقي طريقاً آخر، يمر بالوديان، وهي التي مر بها ابن جبير وهو في طريقه الى بانياس الى الساحل، ويسمى الوادي بين هونين وتبنين بوادي الاسطبل. ومنه تعبر القوافل نحو حصن تبنين (موضع تمكيس القوافل) لتكمل طريقها باتجاه عكا او صور، كما وجدت اثار طريق معبدة تسلكها العربات بين صور وبانياس، ما زالت اثارها باقية الى اليوم.
- طريق القوافل التي تسير عبر ساحل فلسطين حتى تصل الى الناقورة وتتابع شمالاً على طول الساحل حتى تصل الى الزهراني.
- اما من صور الى صفد فقد وجد في عهد المماليك طريقان يؤلفان طريقاً واحداً حتى قانا. ومن قانا تتفرع الطريق فتذهب احداها الى صديقين، ياطر، دبل، وادي رميش، كفربرعم، صفصاف ثم صفد. اما الاخرى فتذهب من قانا الى تبنين، كونين، بنت جبيل، يارون حتى صفد.
- اما الطريق من صور الى دمشق، فكانت تمر عبر قبريخا، رب ثلاثين، ابل، فبانياس فدمشق.
6- الحياة العمرانية
منذ اللحظة التي استطاع فيها الصليبيون ان يضعوا اقدامهم على ارض معادية لهم حاولوا ان يقيموا لهم مراكز دفاعية وهجومية في الوقت نفسه، وهو تأكيد ثابت على رفض العامليين للاحتلال. وهكذا كانت سلسلة الحصون والابراج التي اقاموها على طول الساحل الجنوبي الممتد من عكا الى صيدا. كما اقاموا سلسلة اخرى من هذه الحصون في داخل منطقة جبل عامل امنع وأضخم مما انشأوه على الساحل.
هذه القلاع والحصون الساحلية منها والداخلية لعبت دوراً حضارياً مهماً لكونها كانت مراكز التقاء للتفاعل الحضاري الذي كان يتم بين وقت وآخر بين السكان الوطنيين من جهة ووفود الافرنج المتعددة والمتغيرة على الدوام من جهة ثانية ومن هذه القلاع الصليبية كانت:
1- قلعة تبنين (Tyron) التي اقيمت لتقطع الطريق عن المساعدات التي تأتي من دمشق الى صور عبر هذه المنطقة.
2- قلعة الشقيف أرنون، وقد أقيمت لتتتحكم في ممرات الليطاني ولتكون مرصداً لتحركات المسلمين في جهات سفوح جبل حرمون وجوار صفد وبانياس.
3- قلعة هونين : وهي مشرفة على الحولة
4- قلعة شمع : وهي مشرفة على سهول صور
5- قلعة مارون : وتقع قرب بلدة ديركيفا
هذا بالاضافة الى ما تركه الصليبيون من الكنائس، ككنيسة القديس مرقص في صور وغيرها مما أقيم في صيدا وداخل القلاع التي انشأوها.
وهناك أثار صليبية كثيرة في منطقة جبل عامل لم يكشف عنها حتى اليوم. وهي منتشرة في بنت جبيل وبرعشيت وميس الجبل ومنطقة التل في مرجعيون...
هذه القلاع والابراج لم ينج اكثرها من التهديم والتخريب عندما طرد الصليبيون من منطقة جبل عامل وذلك خوفاً من عودتهم اليها مرة ثانية. ورغم ذلك فقد بقي بعضها كمراكز عسكرية مهمة استغلت في عهد المماليك والعثمانيين فيما بعد.
6- الصليبيات الجديدة
لقد سقط الدور الاول للحركة الاستعمارية الصليبية بطرد الصليبيين نهائياً من بلاد الشام، ليبدأ فصل ثالث من فصول الحركة الاستعمارية، استمر طيلة القرنين الرابع عشر والخامس عشر آخذاً بعين الاعتبار التطورات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة التي استجدت في كل من اوروبا ومنطقة الشرق الادنى.
فبينما كانت البابوية حجر الرحى في صليبية القرن الحادي عشر للميلاد، نرى هنا دور الملوك والاباطرة يقفز الى الصف الاول بسبب ازدياد الشعور القومي، وبروز الحركة البرجوازية التجارية النامية على حساب الاقطاع، ثم الاتجاه نحو اعلاء المصلحة القومية على حساب الدين.
ومن المشاريع التي وضعت لتحقيق، صليبية جديدة، المشروع الذي تقدم به ريمون لول (Raymond Lulle) سنة 1305 وكان ريمون يتقن اللغة العربية وعلى معرفة تامة بأحوال الشرق. ويتلخص مشروعه بالعمل على كسب المسلمين والمسيحيين الشرقيين عن طريق التبشير. على ان يقوم ملك اوروبي بحملة عسكرية تشترك فيها بقايا المؤسسات الصليبية العسكرية (الداوية، والاستبارية، والتيوتون). وفعلاً انتشرت الاديرة في كل من سورية ولبنان وفلسطين. فكان يبلغ عددها في منتصف القرن الثالث عشر نحو ثمانية عشر ديراً، تتحمل عبئها منظمتان ارهابيتان هما الدومينكان والفرنسيسكان، كما اقر مجمع فيّينا في فرسنا عام 1311 إنشاء ست مدارس لتعليم اللغات الشرقية من بينها اللغة العربية تيسيراً لغاية التبشير.
اما المشروع الاخر الذي تقدم به احد المبشرين ويسمى بركارد فقد أوصى في تقريره الذي قدمه لملك فرنسا (فيليب السادس) بعدم الثقة بالمسيحيين الذي ولدوا نتيجة اختلاط الصليبيين الغربيين بالمسيحيين الشرقيين.
والمشروع الثالث الذي تقدم به مارينو سانودو (Sanudo) فينص على ان احتلال الشرق الادنى يجب ان يسبقه اضعاف دولة المماليك اقتصادياً في المرحلة الاولى، ثم يأتي احتلال مصر لتسهيل عملية الاستيلاء على الاراضي المقدسة في الشام.
اما بابوية القرن الرابع عشر فلم تكن لتقف مكتوفة الايدي امام طرد الصليبيين من الشرق، ذلك ان هيبتها في أوروبا اخذت تتدنى امام قوة الملوك واتجاهات النهضة الحديثة التي اخذت تنمو في اوروبا في هذا القرن. لذلك فقد بدأت تصدر قرارات التحريم ضد الجمهوريات التجارية التي تتعامل مع دولة المماليك، وخاصة التي يصدر الرقيق عنها، مصدر الدولة البشري، او الاخشاب والحديد، والمادتان الاساسيتان في صناعة السفن الحربية. ومع ذلك فان الجمهوريات التجارية رفضت تنفيذ الاوامر البابوية حرصاً على مصالحها الاقتصادية مما مهد ظهور قبرص التي غدت أهم المعاقل الصليبية بعد جلاء الصليبيين عن عكا. فأخذت تقوم بدور بازر في النشاط الصليبي في شرق البحر المتوسط، وشرع ملوكها يهاجمون موانىء مصر والشام، ويغيرون على السفن التجارية التي تحمل البضائع للمماليك، ففتحت صفحة جديدة في تاريخ الصليبية. ولم ينته دور هذه الجزيرة الا بعد ان استولى المماليك عليها سنة 1426م.
وهكذا، تعددت وجوه الصليبية وهي في جوهرها ذات وجه واحد هو السيطرة الاستعمارية على هذه المنطقة. ولم يكن الجنرال غورو في الحرب العالمية الاولى سوى المعبّر عن حلم الصليبية الجديدة عندما وقف امام ضريح صلاح الدين في دمشق حين قال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين". وما الاطماع الصهيونية في المنقطة العربية اليوم سوى موجة من موجات الصليبية الجديدة.
وعلى الرغم مما تحفل به هذه الموجة من عناصر الاقتحام وما تتمتح به من قدرات قتالية لم يسبق ان عرفتها الغزوات جميعا في الماضي القريب والبعيد، على الرغم من ذلك، فان هذه الموجة الجديدة تصطدم اليوم بمقاومة اشد مراساً وأكثر تصميماً على احراز النصر ولعله النصر الذي سيضع حداً نهائياً لتاريخ الغزو والقرصنة في العالم.
بعض المصادر والمراجع
- ابراهيم طرخان : النظم الاقطاعية في الشرق الاوسط في العصور الوسطى. دار الكاتب العربي – القاهرة 1968
- ابن اياس : بدائع الزهور في وقائع الدهور. القاهرة 1961
- ابن القلانسي : ذيل تاريخ دمشق. بيروت 1908
- ابن جبير : الرحلة. دار التراث بيروت 1968
- اسامة بن منقذ : الاعتبار ، حرره فيليب حتى بريتون 1930 مكتبة المثنى، بغداد
- المقريزي : الخطط. مكتبة المثنى – بغداد
- بولياك : الاقطاعية في مصر وسورية وفلسطين ولبنان. ترجمة عاطف كرم، منشورات دار المكشوف1948
- زكي النقاش : العلاقات بين العرب والافرنج خلال الحروب الصليبية. دار الكتاب اللبناني 1958
- سعيد عاشور : مصر والشام في عصر الايوبيين والمماليك. دار النهضة العربية: بيروت1972
- سعيد عاشور : الحركة الصليبية – جزءان. مكتبة الانجلو المصرية 1963
- ستيف رنسيمان : تاريخ الحروب الصليبية 3 أجزاء ترجمة السيد الباز العريني. دار الثقافة. بيروت 1967
-صالح بن يحي : تاريخ بيروت . دار المشرق 1967
- فؤاد قازان
- فيليب حتي : لبنان في التاريخ . دار الثقافة. بيروت 1959
- كمال الصليبي : منطلق تاريخ لبنان. توزيع مكتبة رأس بيروت1979
- محسن الامين : خطط جبل عامل. تحقيق حسن الامين الجزء الاول مطبعة الانصاف1961
- محمد علي مكي : لبنان من الفتح العربي الى الفتح العثماني. دار النهار للنشر1977
- محمد كرد علي : خطط الشام -6 أجزاء الطبعة الثانية- دار العلم للملايين1969
-Brehier. L. les croisades 6e ed. Paris 1928
- Dodo, Histoire des institutions du royaume latin de Jerusalem these paris 1894
- Grousset, R. Histoire des croisades, 3 vol paris1936
- Heyd, Histoire du commerce du levant, 2 vol. paris 1885
- Pernoud, R. les croises. Paris 1959
- Revue de L’orient Chretien Paris (1896 – 1914)
- Revue de L’orient Latin. Paris (1891 – 1902)
- Revue francaise d’histoire d’outre – mer. Paris 1945
- Revue Historique Paris 1876
- REY , les colonies franque de syrie aux xll et xlll siecile. Paris1883
- Perrier. Ferdinand. La syrie sous le gouvernemen de mehemet ali. Paris 1842 P234
- Volney. Voyage en Egypte et en syrie pendant les annees 1783 – 1784 et 1785. T2 P17.