حداداً على المرحوم الراحل إبراهيم علي جعفر عضو مجلس بلدية ياطر ونائب رئيسها السابق الذي وافته المنية بتاريخ الخميس 26 آب 2021 م بعد صراع طويل مع المرض،

كتب محمود محمـد سويدان :

                                 ـ التوقيع الأخير ـ

كما ينبت العشبُ بين مفاصل صخرة الأديب الراحل محمود درويش وُلِدْت والأرضَ يا إبراهيم غريبين معاً وعقدتَ عليها قرانك الأبدي فلم تتزوج إلا عشقها . قضيت العمر تؤلف فقرات الحب لعينيها الشاسعتين من المحيط الى الخليج من تونس والمغرب والجزائر الى مصر والسودان الى العراق واليمن وفلسطين ولبنان وكان ديدنُك الدائم على مدى سنيّ العمر : " بلاد العُرْبِ أوطاني " فشرايين قلبك مسالك الوطن العربي ونواته القدس الشريف. في بُطيْن قلبِك هوى جمال عبد الناصر وفي الأُذيْن عشقُ الإمام موسى الصدر . من جبل عامل أتيتَ ودخلتَ في بيروت من شرفةِ الفقراء، لأجلها

ولأجل عروبة لبنان سنين كفاحٍ أمضيت مع إخوة لك في الجهاد كثير منهم استشهد وبقي لبعضهم فسحة حياة، وأينع الجهاد تحريراً للتراب الوطني. تركتَ بصمات جهادك في انتفاضة 6 شباط 1984م التي أعادت لبنان من العصر الإسرائيلي الى العصر العربي وانتزعت لبنانك من بنادق الطائفيين ولم يقسَّم البلد. وجد ميثاق الإمام موسى الصدر في إنسانيتك موئلاً دفعك الى المخاطرة بحياتك مراراً عندما كنت تنفذ "المهام الحركية" لحركة أمل عبر إيصالك جنود الجيش اللبناني المسيحيين الشركاء في الوطن إلى معابر خطوط التماس ليعودوا سالمين الى مناطقهم مصوني الكرامة خلال أحداث انتفاضة 6 شباط 1984م. فالمعركة الأساس مع العدو الصهيوني ولو فُـرِضَتْ علينا معارك الداخل حتى كان توقيع اتفاق الطائف في 22 تشرين الأول عام 1989م الذي أوقف الحرب الأهلية. وكان جهادك يصبو لتحقيق شعارات إمام الوطن والمقاومة السيد موسى الصدر: لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه . لبنان العربي السيد الحر المستقل، وطن العدالة ومجتمع الحرب ضد إسرائيل. تحرر الجنوب وتوقفت الحرب الأهلية ومرت الأيام يا إبراهيم وتجرعتَ للأسف مرارة الخيبة : بعد كل النضالات ومرور 21 عاماً على انتهاء الحرب فشلنا في بناء الدولة وانتقلت متاريس الشوارع الى النفوس والقلوب واستبدلتْ طلقات المدافع بدوي التصاريح . وبدل الشعب العنيد عدنا قبائل تتعدد فينا الولاءات وتتنازعنا الانتماءات وعصفت بأحلامك يا إبراهيم الخيبات ولم يبقَ لبنانك الجميل إلا قصيدة شِعر يؤلفها نزار قباني ( رحمه الله ) وكل الشعراء المخلصون وتغنيها فيروز ومارسيل خليفة.وتكاثرت الأزمات في وطنك حتى أصبح مصيره على المحك. وكأن غرابك الذي طار وحلّق بعيداً (بياض شعر الرأس) منذ شبابك كان يخبرك باستحالة إيجاد الحل لكيانك اللبناني.

عدت الى بلدتك ياطر عسى أن يُنعش قلبك نسمات هواء باردة آتية من مدن وأودية فلسطين التي نفضت عنها صواريخ المقاومة اللبنانية غبار النسيان في حرب 2006 م من عكا الى حيفا والناصرة وبيسان عسى أن تكون مقاومة فلسطين ولبنان رافعة النهوض القومي العربي لهذه الأمة التي طال سباتها. عملت مع مجلس بلدية ياطر على إزالة آثار عدوان تموز الصهيوني عام 2006 م ثم توليت نيابة رئاسة المجلس البلدي عام 2014 م ودوّن قلمك دفاتر أيام ياطر على سجل محاضر المجلس البلدي، هالكَ ما وصل إليه شعبك المذلول في طوابير الطحين والبنزين فقررت الرحيل بهدوء وفي آخر جلسة لبلدية ياطر عقدت مساء السبت 14 آب 2021 م تُليَ المحضر المحضر ورُفعتْ الجلسة ووقّع إبراهيم جعفر: " أحبكم يا أبناء بلادي " ورحل بصمت.

غداً تُعقد جلسة مجلس بلدي وعلى رأس جدول أعمالها رجل من بلادي لُقِّب بالحزين ولم تغادر البسمة يوماً محيّاه عاش حراً ومات كالأشجار وقوفاً، غدأ يتلى محضر الجلسة من جديد، ويوقّع الحاضرون إلا إبراهيم جعفر الذي تغيب عن الجلسة بداعي السفر . . . الى رحاب الله . (( إنا لله وإنا إليه راجعون )).

محمود محمـد سويدان 29 آب 2021