بقلم محمود محمـد سويدان :
   أن تخوض في مذكرات كتاب "كفاح العمر" ( هو الآن قيد الطبع ) لسماحة العلامة الشيخ عبد المنعم علي الزين الذي عرض فيه دفاتر أيامه ،  تتوقّع أن تأخذك صفحاته الى عالَم قداسة الدين وصفاء الروح وطهْـر العلاقة بين العابد والمعبود وعالَم الأخلاق والفضيلة وتَصْدُق توقعاتك في ما تقرأه في بدايات الكتاب لعالِم جليل حكى رحلة   تلقيه العلوم الدينية ابتداءً من مدارس أزهر لبنان في بيروت واكتسابه مـلَـكة الخطابة الدينية وانتهاءً بدراسة المقدمات والسطوح ثم التفقه في الدين في حوزات علوم النجف الأشرف في العراق حيث تلقى العلوم العصرية الى جانب العلوم الدينية على يد المراجع العظام والعلماء المجتهدين ، ونيله فخر التتلمذ على يد شهيد القرن العشرين الذي لم يسد مسده أحد حتى يومنا هذا أعني به عالِم الدين والاجتماع والفلسفة الشهيد السيد محمـد باقر الصدر (قدس سره الشريف) . ثم شرف مواكبة مسيرة الإمام السيد موسى الصدر في لبنان الذي أرسله الى السنغال حيث نال بمنطقه القويم خلال رعايته الدينية لشؤون الجالية اللبنانية وهمومها اعترافاً من الدولة السنغالية بطوائفها الأساسية فيها بالمذهب الإسلامي الجعفري الذي سمّي رسمياً بطائفة أهل البيت (ع) .


    ولكن أن يعقد رجل الدين هذا " القِران " بين مُـثُـل الدين وقيمه وقضايا الدنيا وإشكاليات المُـعـاصَرة فذلك أيضاً فتحٌ آخر مكمّل للفتح المبين الذي أنجزه معلّمه سماحة الإمام المغيّب السيد موسى الصدر في لبنان الذي أدرك الاجتماع السياسي اللبناني وخلص الى أن " الطوائف نعمة والطائفية نقمة " وأن لبنان وطن العيش المشترك لا محالة .
   ما أجملها عباءة الدين حين لا تأسر نفسها بهالة القدسية فتنظر الى رعيتها من فوق ، بل تنزل الى شارع همومها ومشاكلها وقضاياها في السياسة والدين والمواطنة . فتنظم أمور الجالية وتبني لها صروح العلم والثقافة ، فيصبح سماحة الشيخ عبد المنعم الزين سفير وطنه لبنان وقضاياه بحق في بلاد الاغتراب ، ويُتَوّج ركناً روحياً ومدنياً من أركان الدولة في السنعال التي حمل جنسيتها ، فزاوج بين مواطنيته السنغالية وأصالته اللبنانية فذاع صيته في أفريقيا كلها وعاش في السنغال قضايا لبنان وهمومه وأوجاعه وقضايا العرب وعلى رأسها القضية المركزية فلسطين واغتصاب الصهاينة للقدس الشريف . فحجز لنفسه دوراً عن قصد او غير قصد على ملعب السياسة اللبنانية والدولية وذلك عبر تعاطيه بدوافع وطنية وإنسانية مع قضية خطف الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه من موقعه الجغرافي حيث هو في السنغال ، أو عبر دوره  بالتوسط لتحرير الرهائن الغربيين الذين احتجزوا في لبنان.
  فعُدَّت الأحداث التي واترتها سطور كتابه بما فيها الأدوار التي سبق ذكرها من محاولته الكشف عن مصير الإمام الصدر لإطلاق سراحه من غياهب سجون طاغية ليبيا آنذاك ، يضاف اليها الدور الذي لعبه بالتوسط بين أطراف محليين وإقليميين ودوليين لحل قضية بعض الرهائن الذين أُسروا في أتون الحرب اللبنانية المشتعلة التي بلغت ذروتها في نهاية ثمانينات القرن الماضي ،
  ( عُدَّت تلك الأحداث سواء قرأها موافق أو معارض ) شاهداً اساسياً من شواهد الحرب الأهلية اللبنانية والصراعات الدولية ، وشاهداً عن حكايا الاغتراب اللبناني في دول افريقيا ومساهمته في بناء وتطور تلك الدول . ولا يمكن لأي بحّاثة يريد الخوض بتلك المواضيع إلا أن يُعرّج على كتاب " كفاح العمر " وما احتواه من وثائق جعلته يُعد بحق شاهداً على العصر .
هذه الأحداث والقضايا الساخنة التي تطرق لها وتصدى لبعضها سماحة الشيخ عبد المنعم علي الزين جعلت منه عالم دين بعباءة جمعت في طياتها بين دين القداسة وأدب السياسة .  
ولا غرابة في ما تقدم من علّامة يجرّك الاختلاف معه على رأيٍ أو مسألةٍ ما الى بداية حوار لا يؤسس بعدها إلا الى مساحة حتمية للّقاء .  
/ محمود مـحمـد سويدان / 16 كانون الأول 2019