BBC / رُلى طباش /مختصة في الفيزياء النظرية للجسيمات الأولية

 

أصبحت بعد سنوات من العمل بشغف في مجال الفيزياء أكثر اهتماما بالتغير المناخي، وإن سئلت اليوم عن سبب هذا الاهتمام، لكررت الجواب نفسه لكني هذه المرة لن أكتفي بذلك إذ اختلفت أشياء كثيرة.

في بعض الأحيان، كما في ظاهرة التغير المناخي، لا يعود مجرد إشباع الفضولالعلمي كافيا وإنما يصبح العمل على تفادي الأسوأ مطلوبا. بل مُلحا. هذا ما استنتجته بعد مرور عامين تقريبا قضيتهما باحثة في معهد علم المحيطات بجامعة هامبورغ الألمانية؛ وأيضا كأم تشعر بالقلق إزاء مستقبل الأجيال القادمة.

إن كان هناك سبب وحيد للأحداث التي ستؤثر تأثيرا عميقا على جميع البشر في كل أصقاع الكرة الأرضية في العقود المقبلة، فسيكون هو التغير المناخي، وستؤثر عواقب هذا التغير على كل واحد منا، كبارا كنا أم صغارا، أغنياء كنا أو فقراء. ربما ليس في التوقيت ذاته أو بالشدة نفسها، ولكنها ستلحق بنا جميعا في نهاية المطاف.

منذ بدايات الثورة الصناعية كانت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشرية المنشأ تساهم في زيادة درجة حرارة سطح كوكبنا، وإن استمرت درجات الحرارة العالمية في الارتفاع بهذا المعدل، فمن المتوقع أن يصل الاحترار العالمي الى 1.5 درجة مئوية بين عامي 2030 و 2052، كما تؤكد اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC.

ووفقًا لمعهد ماكس بلانك للكيمياء، ستشهد بعض المناطق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفاعا في درجات الحرارة في الصيف بحوالي 4 درجات مئوية بحلول منتصف القرن الحالي، حتى ولو نجحت الجهود الدولية في الحد من متوسط درجة الحرارة العالمية بناء على اتفاقية باريس الموقعة عام 2016. وستكون عواقب هذا الارتفاع عديدة، وسيدفع سكان البلدان العربية أيضا ثمنا باهظا بسببها. ولن تكون السيول العنيفة، كتلك التي قتلت وشردت كثيرين خلال السنوات العشر الأخيرة في جدة، مستقبلا مجرد حوادث منفردة، ولن تقتصر الكوارث على الطوفانات فحسب؛ إذ من المرجح اعتمادا على وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، أن يكون الجفاف الأخير الذي بدأ عام 1998 في منطقة شرق البحر المتوسط، أسوأ من جميع مواسم الجفاف التي شهدتها المنطقة في القرون التسعة الماضية.

حذر البنك الدولي قبل عدة أعوام من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر الأماكن على الأرض عرضة للخطر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة في مصر وتونس وليبيا وقطر والإمارات والكويت. كما توقع أن يتعرض عشرات ملايين البشر في المنطقة لضغط نقص المياه بحلول عام 2025. وشح المياه نتيجة الجفاف سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية وإلى قلة المحاصيل الزراعية، مما سينعكس على اقتصاد هذه الدول، وعلى العائدات من المحاصيل الزراعية والسياحة، وعلى معدلات البطالة والنزوح السكاني والصحة.

ما دامت الدلائل قوية بهذا الشكل، فما الذي يجب أن يفعله قادة العالم؟

قبل عدة سنوات حددت الأمم المتحدة النشاط المناخي كأحد أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، كما وقعت عدة دول على اتفاقية باريس لاتخاذ إجراءات لوقف زيادة معدل درجة الحرارة عالميا. ولكن لم تتخذبعد إجراءات حاسمة رغم طرح بعض الاقتراحات المتعلقة بسياسات تنظيم الانبعاثات أو بالهندسة المناخية؛ وذلك لأن الإجراءات لن تكون دون ثمن هي الأخرى، وقد تكون خطرة.

 

بالرغم من أن ارتفاع درجات الحرارة الحالية أعلى بكثير من السنوات الـ 800,000 الماضية، علينا ألا ننسى أن الإنسان برهن على قدرته على التأقلم مع مختلف الدورات الطبيعية في مناخ الأرض على مر العصور.

ولاشك أن الحل الجذري والفعال يتطلب عملا توافقيا على مستوى عدة دول؛ ولكن في الواقع بإمكان كل واحد منا فعل شيء ما مهما بدا صغيرا.بالنسبة لي، أشارك في الولاية التي أعيش فيها في شمال ألمانيا في ورشات عمل في المدارس حول تغير المناخ وغيره من أهداف التنمية المستديمة.

وقد لاحظت من خلال تجربتي بأن الجيل الجديد يأخذ مخاطر الاحتباس الحراري على محمل الجد، ويرغب بالعمل حسب إمكانياته. كثير من الطلاب يقدم بنهاية كل ورشة عمل خيارات عملية يمكنها أن تقلل الانبعاثات الغازية لحد ما، كاستخدام الدراجات الهوائية والمواصلات العامة الصديقة للبيئة في التنقل والاعتماد في التغذية على المنتجات المحلية.

غدا صباحا عند احتسائك لفنجان قهوتك، ابدأ بالتساؤل عن الثمن المناخي والبيئي، وربما الإنساني أيضا، للبن فيها: من أي بلد أتى؟ كيف تم نقله؟ تحت أية ظروف إنسانية وبيئية تزرع أشجاره؟ هذه ليست دعوة لك لترك القهوة، لكنها حث على التساؤل. كل واحد منا أينما كنا في هذا العالم يمكنه أن يقوم بدوره، على الأقل لمحاولة فهم الظاهرة وتبعاتها بشكل أعمق.