طلال سلمان  /  السفير العربي الإلكترونية   30/12/2019

   لكأننا مرة أخرى امام تقسيم جديد للمنطقة العربية يماثل، بل يتجاوز ذلك الذي تم بموجب معاهدة سايكس ـ بيكو، بين بريطانيا وفرنسا، في اعقاب الحرب العالمية الاولى وخروجهما منتصرين على المانيا وركام السلطنة العثمانية.التقسيم الجديد، كما توحي مقدماته، يعتمد، كقاعدة، مصادر الطاقة: الاغنى بالنفط والغاز للولايات المتحدة الاميركية، مع نتف محددة ومحدودة لبريطانيا (باعتبارها صاحبة حق في التوريث) ويمكن تقديم جائزة ترضية لفرنسا.أما شعوب المنطقة (بدولها المصطنعة والمهشمة بل المنهكة بالحروب فيها وعليها) فعليها انتظار نتائج اقتسام اقطارها، على الارض، خصوصاً وان وافداً جديداً وقويا قد دخل حلبة الصراع: روسيا بوتين..

لقد بات النفط ومعه الغاز هو الهدف.. وبات للقواعد العسكرية (جوية وبحرية) هدف محدد هو حماية منابع النفط والغاز وتأمين طرق نقله من ارض المنبع إلى القوى المهيمنة على السوق العالمية بعنوان الولايات المتحدة الاميركية.انه الاستعمار، مرة أخرى، من دون حاجة إلى الجيوش الجرارة والحروب المنهكة لتقاسم البلاد الضعيفة التي تختزن ارضها هذه الثروات الهائلة التي لم تتعب شعوبها في جنيها، وتتخذها انظمتها الآتية من الجاهلية ذريعة لاستمرارها في الهيمنة على شعوبها لأنها تملك الذهب ومعه السوط (او الرشاش) وعلى قاعدة: العصا لمن عصا..

..خصوصاً وان الطيران الحربي قد تطور كثيراً فصار بوسعه أن يخترق الاجواء البعيدة في ساعات معدودة، هذا مع العلم أن الدولة الاميركية العظمى تحتفظ بقواعد لطيرانها الحربي في العديد من الاقطار العربية الغنية بالنفط او الغاز (قطر، السعودية، الامارات، الكويت.. وصولاً إلى سلطنة عُمان، من دون أن ننسى العراق ـ ما بعد الاحتلال الاميركي ـ وسوريا مع الروس )..

حتى لبنان صار فيه قاعدة اميركية جوية (واحدة على الاقل) في مطار حالات، مع احتمال تمددها إلى مطار القليعات في الشمال. هكذا، اذن، تتوزع القواعد الحربية الاميركية على مختلف ارجاء الوطن العربي، خصوصاً المشرق، من غير أن ننسى الاساطيل الحربية الاميركية التي تمخر البحار، شرقاً وغرباً، وتطارد السفن “الغريبة” كما حصل مع الناقلة الايرانية في باب المندب، والتي عانى قائدها وبحارتها الأمريّن قبل أن يتمكنوا من الوصول بها إلى الشاطئ السوري.

على هذا فالحقيقة المرة ان الوطن العربي قد اخضع بأقطاره المختلفة إلى “الاستعمار الجديد” (وهو اسم الدلع للهيمنة الاميركية)..

ولنتذكر هنا أن مصر مكبلة بمعاهدة كامب ديفيد للصلح مع العدو الاسرائيلي، بحيث تم تحديد اعداد الجيش المصري بتشكيلاته المختلفة، وحجر عليه التحليق شرقاً (في اتجاه سيناء، ومن ثم الكيان الاسرائيلي..)

أما ليبيا فقد اختفت “جماهيرية القذافي” من الدنيا، وتشهد هذه البلاد الواسعة رحى حرب اهلية ـ عربية ـ دولية لا تنتهي.. مما فتح المجال امام الرئيس التركي اردوغان ليحاول استعادة امجاد السلطنة العثمانية بإرسال مجاميع من عسكره “لتأديب” المعترضين على سلطانه في ليبيا، متجاهلاً اعتراضات مصر والسودان وتونس التي زارها منافقاً.. فاستقبله رئيسها الجديد ببرودة، مستغربا هذه الزيارة التي لم يكن يريدها.

.. واما الجزائر فقد فرض عليها العسكر رئيساً جديداً يعترض عليه الشعب بجماهيره التي لما تغادر الشارع منذ سبعة شهور طويلة طلباً لحكم ينبع من ارادة الشعب ولا يفرضه عليه العسكر..

كذلك فان صيغة الثنائية في حكم السودان بين الشعب بملاينيه التي اقامت في الشوارع شهوراً طويلة حتى نجحت في اقتلاع الطاغية حسن البشير، وبين العسكر ممثلاً ببعض الضباط الذين “جاملوا” الثورة فانضموا إلى صفوفها وتقاسموا معها السلطة الجديدة.

..هذه السلطة تهتز الآن، خصوصاً بأفضال الذهب الخليجي الذي يحاول به الامراء والشيوخ “شراء” الثورة السلمية ا لرائعة لشعب السودان..

ومع تمني التغيير الجذري والشامل في مختلف ارجاء الوطن العربي، لا بد أن نتغلب على الصعوبات ونحن نتمنى الخير للأمة.

 .. وكل عام وأنتم بخير..