طلال سلمان / السفير العربي 

 مع العاشر من شهر رمضان المبارك، تعود إلى الذاكرة وقائع ذلك اليوم المجيد (الذي صادف وقوعه في السادس من شهر تشرين الاول ـ اكتوبر 1973) وفيه أمكن للهجوم الذي شنته القوات المصرية والسورية في جهد مشترك لتحرير الارض التي يحتلها العدو الاسرائيلي وعنوانها: صحراء سيناء حتى قناة السويس، وتعطيل هذا المرفق الاستراتيجي الحيوي بالنسبة لمصر، وعلى الجبهة السورية هضبة الجولان وما أحاط بها من ارض منبسطة تشرف على حوران.

 كان الرئيسان انور السادات وحافظ الاسد قد التقيا أكثر من مرة، اثناء التخطيط للحرب المشتركة، وحددا مهمات كل من الجيشين الشقيقين في مواجهة العدو الواحد لهما، كما لكل العرب، الجيش الاسرائيلي، المتباهي بانتصاراته السابقة (خصوصا في حرب 1967).

 كان التوقيت للهجوم المشترك ممتازاً ولا يمكن للعدو أن يتوقع أن يقوم به جيشان من الصائمين (في العاشر من رمضان المبارك).. وفي ذروة الحر.. (الساعة الثانية بعد الظهر..)

 ولقد نجحت القفزة الأولى للجيشين: عبر الجيش المصري قناة السويس (الحاجز المائي عبر جسور خشبية وحديدية بناها تحت قصف عنيف) وتقدم نحو خط “بارليف” فدمره، وتمكن من اسر عشرات من جنود العدو، فضلاً عن قتل اعداد منهم… كما امكن للجيش السوري أن يستعيد هضبة الجولان وان يتقدم في اتجاه بحيرة طبريا، حيث كان الرئيس السوري حافظ الاسد يسبح فيها، قبل احتلال الجولان (كما ابلغ وزير الخارجية الاميركي الداهية هنري كيسنجر الذي كان في صحبة رئيسه نيكسون، في وقت لاحق..)

أيننا اليوم من ذلك الزمن ولاد الأمل؟

 لقد اوقف السادات الحرب بعد ايام معدودة، تاركا الفرصة لشارون أن يقود قوة من المظليين ليهبطوا في جزيرة صغيرة تقع في مجرى قناة السويس، بينما الجيش المصري قد اوقف حربه بأمر السادات، تاركاً الجيش السوري يكمل الحرب وحيداً، خلافا للاتفاق التاريخي.. ولقد جاءت نجدة سريعة من الجيش العراقي، اضطرت معها الدبابات للسير على جنازيرها..

لكن الوقت كان قد تأخر. واضطر حافظ الاسد إلى قبول هدنة تولى ترتيبها وزير الخارجية الاميركية الداهية هنري كيسنجر.

أين نحن من ذلك الزمن؟

 

  لقد صالح انور السادات العدو الاسرائيلي، وذهب فخطب امام الكنيست، وسط ذهول الاسرائيليين الذين لم يصدقوا أن رئيس مصر قد جاءهم مصالحاً على دماء جنوده الشهداء، ودماء الجنود الشهداء من الجيش السوري وسائر الجنود العرب الذين ارادوا أن يشاركوا في شرف التحرير وعقد التحالف المقدس مع الرئيس السوري “حافظ الاسد”..

 فضلاً عن خيبة امل الشعب الفلسطيني الذي اخذته احلامه إلى اقتراب عهد التحرير واستعادة الارض المقدسة.. والحياة في ارضهم الحرة بعد عصر من قهر الاحتلال وعسفه وتجبره وتحكمه بحياتهم، وطردهم من ارضهم، وحصرهم في بعض انحاء الضفة الغربية، التي أعلن مؤخراً أنه سيكمل احتلاله الارض الفلسطينية حتى “الاغوار” وهي تتبع المملكة الاردنية الآن، وتتوزع في ارجائها اضرحة بعض الصحابة مع ابي عبيدة بن الجراح في معركة فتح دمشق.

 لقد حاول “حزب الله” ومعه بعض التنظيمات الشعبية (الحزب الشيوعي والقوميين السوريين) مواجهة الاحتلال بإمكانات محدود وعبر عمليات يمكن اعتبارها انتحارية.

 أما الحزب فقد يسرت له إيران امكانات ممتازة، كما أن المجاهدين من ابناء الجنوب وسائر انحاء لبنان (لا سيما بعلبك ـ الهرمل) قدموا النموذج الناجح لـ” فتية آمنوا بربهم فزادهم هدى”.

.. ولقد نجح الحزب في تحرير الجنوب كله، واجبر الاحتلال الاسرائيلي على الانسحاب مدحوراً في مثل هذه الايام من العام 2000.

 ومع أن العدو الاسرائيلي عاد إلى شن الحرب في 12 تموز 2006، الا أن مجاهدي المقاومة، معززين بدعم الشعب في لبنان، وتضحيات اهل الجنوب وبيروت والشمال والجبل والبقاع، تمكنوا من الانتصار مرة أخرى، واضطر جيش الاحتلال إلى الجلاء عن الارض المقدسة وفق القرار الدولي 1701.

وما يزال العدو الاسرائيلي يواصل بطيرانه الاغارة على بعض انحاء لبنان، وأكثر على بعض انحاء سوريا في الساحل والداخل بذريعة ضرب القوات الايرانية الحليفة للجيش السوري.

 ولسوف يحتفل اللبنانيون بعد اسبوعين، بعيد الجلاء الثاني وانتصارهم عبر “حزب الله” ومعه، بعيد اجلاء المحتل الاسرائيلي.

 وكل عام وأنتم بخير. وقد امتزجت دماء شهداء الاحتلال التركي في 6 ايار مع دماء شهداء المقاومة والانتصار على الاحتلال الاسرائيلي في 25 ايار 2000 .

كل عام وانت بخير.